المستشفى السلطاني ومستشفى جامعة السلطان قابوس ينجحون في إكتشاف المورث المسبب لمرضٍ وراثي يصيب الأطفال حديثي الولادة
في إنجاز صحي نوعي ... أستطاع طاقم طبي مكون من أطباء الوراثة بمستشفى جامعة السلطان قابوس و المستشفى السلطاني في إكتشاف المورث المسبب لمرضٍ وراثيٍ نادر يصيب الأطفال حديثي الولادة ويضعون الدلائل الاكلينيكية الأولى على قابليته للعلاج الفعال.
ونجح أطباء الوراثة في عيادة الطب الوراثي والتطوري بمستشفى جامعة السلطان قابوس مكون من الدكتور المنذر المعولي والدكتور خالد بن سعيد الذهلي، وأطباء من المستشفى السلطاني ممثلاً بالدكتورة نادية الهاشمية في اكتشاف مرضٍ وراثيٍ نادر يصيب الأطفال حديثي الولادة وينتج عنه فقدان شديد للوزن وضعف في النمو، يصحبه أعراض قئٍ واسهال متفاوتةٍ في الشدة، في أعراض تشابه إلى حدٍ بعيدٍ الأعراض المصاحبة لمرض الحساسية المرتبطة بالبروتين المشتق من حليب الأبقار في صورته الشديدة.
الدراسة التي تظافر فيها التقييم الإكلينيكي المفصل مع الربط الأسري للمرضى المصابين في العائلة المتشعبة، والتحليل الدقيق للتسلسل الإكسومي الشامل نشرت في عدد شهر نوفمبر الأخير من المجلة الطبية المرموقة في مجال الوراثة (Clinical Genetics).
يقول الدكتور خالد بن سعيد الذهلي، استشاري أول في الطب الوراثي أن هذا المرض على الرغم من ندرته فإنه من الخطورة بمكان بما قد يؤدي إلى وفاة الطفل المصاب في شهور عمره الأولى فيما لو تأخر اكتشافه، أو البدء بعلاجه.
ويضيف أن معظم الأطفال المصابين بهذا المرض بدأوا يعانون من أعراضه في الأيام الأولى من حياتهم في هيأة اسهال متكرر شديد، أو قئ مستمر أو كلاهما، ويصحب هذه الأعراض هزال شديد وفقدان للوزن وضعف في النمو.
وعلى الرغم من تشابه أعراض هذا المرض مع النمط الشديد من أعراض مرض الحساسية المرتبط بالبروتين المشتق من حليب الأبقار، إلا أن المصابين به لا يستجيبون لأنواع الحليب البديل عن حليب الأم المستخدمة في علاج مرضاه كالحليب المدعم بالأحماض الأمينية أو ما يسمى مخفف الحساسية.
ومن جانبها، أكدت الدكتورة نادية الهاشمية، استشارية أولى بالأمراض الاستقلابية والوراثية وطب الأطفال بالمستشفى السلطاني أن هذا الاكتشاف ذا وقع علاجي مهم، وقد وافق ملاحظات سريرية علاجية مهمة لم يكن ليتسنى فهمها أو تفسيرها قبل هذا الاكتشاف ، إذ أستطاع العلاج المقدم للمرضى المصابين عن طريق التغذية الوريدية المتكاملة لفترة من الزمن في تحقيق نتائج مبهرة يتمثل في تحسن الوضع الصحي لهؤلاء المرضى مع توقف أعراض المرض وتحسن الوزن.
وتضيف الهاشمية : حتى الأن تشير الأعداد المحدودة من المرضى الذين تم علاجهم إلى الآن أنهم يحتاجون إلى العلاج لفترة وجيزة من الزمن قد تصل إلى أسابيع .
ويؤكد الدكتور خالد الذهلي من جانبه على هذه الملاحظة السريرية كما ينوه إلى أن هؤلاء المرضى قد لا يحتاجون بالضرورة إلى علاجٍ بالتغذية المتكاملة عن طريق الوريد، بل تشير النتائج السريرية الأولية أنهم قد تتحسن حالتهم سريعاً بتغيير الحليب المستخدم سواء حليب الأم أو الحليب البديل إلى حليب بديل مختلف التركيب في مكونه الدهني، بحيث يتغذى الطفل على حليب معظم مكونه الدهني من الدهون ذات السلاسل الكربونية المتوسطة، ومحدود جداً في كمية الدهون ذات السلاسل الكربونية الطويلة. سهل من هذا الأمر سريرياً استخدام هذا النوع من الحليب لأسباب مرضية مختلفة (repurposed use).
يعرج الدكتور المنذر المعولي، استشاري الطب الوراثي بمستشفى جامعة السلطان قابوس ، على الخيوط الأولى التي أدت إلى الاعتقاد بوجود سببٍ وراثيٍ يورث بصورة متنحية لهذا المرض، حيث تكرر حدوثه في أطفالٍ من الجنسين في العائلة نفسها، يتصلون جميعاً بنسبٍ عائليٍ واحد.
وعلى الرغم من الفحوصات التشخيصية الدقيقة والمستفيضة اللتي استخدمت في تقييم هؤلاء المرضى بما فيها فحص التسلسل الإكسومي الشامل (whole exome sequencing) إلا أن السبب وراء هذا المرض ظل عصياً آنيًا على الاكتشاف في ضوء القدرة التحليلية المرتبطة بالجينات أو المورثات التي سبق اكتشافها سلفاً.
وعليه تم إدراج هؤلاء المرضى ومن ارتضى من ذويهم طوعاً في دراسة بحثية مدرجة تحت مجلس البحث العلمي وممولٍ بمنحة بحثية من صاحب الجلالة السلطان المعظم، ليعادَ تحليل التسلسل الإكسومي الشامل محلياً ويتضح اشتراك الأطفال المصابين جميعاً ممن توفرت لنا القدرة على فحص مادتهم الوراثية في طفرة وراثية متنحية تحمل الصفات المرضية في أحد الجينات المرتبطة بالامتصاص المعوي للدهون ذات السلاسل الكربونية الطويلة، والمتصلة أيضياً بأكسدة هذه الدهون, والمسمى ACSL5.
و توافقت الطفرة مع النهج المتنحي للتوارث والمتوقع لهذه الطفرة مع كل أفراد العائلة الذين تيسر فحصهم، كما أوضحت الدلائل الوظيفية التي قام بها الدكتور جواشيم فولكروغ من جامعة هايدلبيرغ الألمانية أن هذه الطفرة ذات آثار وظيفية واضحة على كمية البروتين المنتجة من هذا الجين وعلى خصائصه الوظيفية.
يأمل الأطباء والباحثون في هذه الدراسة أن يفتح هذا الإكتشاف الطبي النوعي في فتح آفاق علاجية وتشخيصية للمرضى الذين يعانون من هذا المرض